Ibn yaso3- +†+ مدير المنتدي +†+
عدد الرسائل : 767
العمر : 39
الأقامة : بمنتدي كنائس المحلة
العمل : خادم للمنتدي
الهواية : التـفـنن في محبة المسيح
نقاط : 40
تاريخ التسجيل : 24/04/2007
من طرف Ibn yaso3 2007-05-05, 5:58 pm
البابا كيرلس الرابع 2
ترشيحه للباباوية
في برمهات عام 1568ش حضر الأساقفة إلي العاصمة للتداول مع الأراخنة علي اختيار البابا وكان اسم القس داود أول المرشحين بناء علي وصية البابا بطرس الجاولي. لكن البعض اعترض لعدم علمهم إن كان لا يزال في أثيوبيا حياّ أم قد رقد، ورشّح البعض الأنبا أثناسيوس أسقف أبوتيج، ورشّح الغالبية أنبا يوساب أسقف جرجا وإخميم (بخلاف الأنبا يوساب الأبحّ)0
عند وصول القس داود إلي القاهرة في 17 يوليو 1852م بعد غياب ثمانية عشر شهرًا، تلقّاه الشعب بفرحٍ شديدٍ واحتفلوا بقدومه احتفالاً جليلاً، ونزل بدار البطريركية، واتّفقت كلمة الأكثرية علي سيامته، واضطر بعض الأساقفة علي قبول ذلك. ورفعوا عريضة إلي عباس باشا حلمي الأول لإصدار أمره بالاعتماد، التجأ الوالي إلي العِرافة كعادته، فقال له العرّافون أنه إذا صار القس داود بطريركًا ستكون أيامه كلها خصومات وضيق، وتنتهي بموت الوالي وتمزيق شمل أتباعه. اضطرب الوالي جدًا واعترض علي سيامته تمامًا.
الأسقف يوساب
لجأ أتباع الأسقف يوساب إلي حيلة بأن يجتمعوا ليلاً ويقوموا بسيامته سرًا، فيقف الكل أمام أمر واقع. سمع المحبون للقس داود، فجاءوا ليلاً وأخرجوه من بالكنيسة وأغلقوا أبوابها وأقاموا حُراسًا أثيوبيين، ثم اشتكوا للحكومة تصرف حزب الأسقف يوساب وطلبوا سيامة القس داود إرضاء للشعب. أحالت الحكومة الأمر إلي الأنبا كبريل ورتبيت الأرمن لحل المشكلة.
جاء قس أثيوبي إلي مصر ليشتكي داود لدي البابا، إذ وجد البابا تنيّح وعلم بترشيح القس داود بطريركًا أثار إشاعات كثيرة منها أنه قد شوّه صورة الحكومة المصرية لدي النجاشي الأمر الذي أثار عباس باشا ضده.
إذ دام الخلاف عشرة أشهر اقترح الأنبا كبريل ورتبيت الأرمن ومناصرو القس داود سيامة مطرانًا عامًا لكل مصر تحت الاختبار- كما فعل البابا مرقس الثامن - واحتالوا على الخديوي بذلك لكي يبدّدوا خوفه، وقد تم ذلك في 10 برمودة سنة 1569 (1853م).
مطران عام
إذ سيم مطرانًا عامًا باشر إدارة البطريركية، فبدأ ببناء كلية بجوار الدار البطريركية، وهي أول مدرسة أهلية للأقباط في القطر المصري، ضمّت تلاميذ من كل المذاهب والأديان بلا تميّز، الأمر الذي خلق ارتياحًا عامًا وسط الشعب، بل في الجو الحكومي وشعر الكل بصلاحيته لمركز البطريركية.
سيامته بابا وبطريرك الكرازة المرقسية
سرعان ما انضم المعارضون إلى محبي المطران العام لما رأوا فيه من همّة قوية للعمل والإصلاح، وفي ليلة الأحد 11 بؤونة 1579ش (1854م) تم إقامته بطريركًا وكان الكل متهللين. وحضر جميع الأساقفة فيما عدا أسقفيّ إخميم وأبي تيج. وقد تبوأ السُدة البطريركية بعد أن مكث مطرانًا عامًا لمدة سنة وشهرين.
الاهتمام بالتعليم
ما أن وجد البابا كيرلس الرابع نفسه المسئول الأول عن الشعب حتى جعل التعليم اهتمامه الأول في وقت كان حكام مصر من الإنجليز والأتراك يتبنون القول: "أن الشعب الجاهل أسلس قيادة من الشعب المتعلم". كان يشغله الجانب التعليمي، فاهتم بإحضار أساتذة ماهرين، وإعداد برنامج تعليمي على النسق الأوربي، وكان اهتمام البابا موجهًا أساسًا إلى بناء الشخصية، مشدّدًا على حسن تربية الأولاد، مؤمنًا بأنه لا يمكن للكنيسة أن تنمو إلا برجال المستقبل المتعلمين.
أنشأ البابا المدارس والمكاتب لصنوف المعرفة واللغتين القبطية والعربية وأصول الديانة وقواعدها. وجعل المدارس مفتوحة أمام الجميع، وأنشأ مدرسة الأقباط الكبرى بالأزبكية بجوار الكنيسة المرقسية الكبرى.
كان التعليم مجانًا، يقدم لهم الكتب والأدوات المدرسية مجانًا، وبذلك سبق الحكومة في هذا المضمار بأكثر من قرن من الزمان. وكان يباشر إدارة المدرسة بنفسه، فأوجد حجرة خاصة له في المدرسة حيث كان يفتقد المدرسة يوميًا، وكان يحضر بنفسه مع الطلبة منصتًا للأساتذة.
ومما زاد البابا اهتمامًا بالتعليم القبطي أن الخديوي سعيد فتح المجال للإرساليات الأجنبية في مصر، فجاءت الإرسالية الأمريكية من الشام في الوقت الذي نشطت فيه الكنيسة البروتستانتية.
جاء في كتاب مصباح الساري ونزهة القاري لإبراهيم الطبيب ببيروت عام 1282هـ، في حديثه عن مصر ومدارسها:
[وفي حارة الأقباط مدرسة عظيمة يعلمون فيها اللسان القبطي القديم والتركي والإيطالي والفرنساوي والإنجليزي والعربي.
وهم يقبلون فيها من جميع الطوائف وينفقون على التلاميذ من مال المدرسة. وهذه بناها البطرك كيرلس القبطي، وأنفق عليها نحو ستمائة ألف قرش، وكل هذا بخلاف ما تعهده في بلادنا من الإكليروس وأوجه الشعب.]
أنشأ أيضًا مدرسة وكنيسة في حارة السقايين.
واهتم أيضًا بإنشاء مدرسة لاهوتية للشبان حتى يمكن سيامة كهنة متعلمين... وإن كانت لم تدم هذه المدرسة.
لأول مرة أيضًا نسمع في عهد هذا البابا العملاق عن اهتمامه بطبقة مرتّلي الكنيسة من ناحية الألحان ومردات الكنيسة، بل وجعل لهم زيًا خاصًا. ولكي تكتمل الصورة الثقافية التي تبنّاها.
دار للكتب
أراد أن يقيم مكتبة أو دارًا للكتب خاصة، وأن سلفه البابا بطرس الجاولي كان يعشق الدراسة، فيقضي أوقاتًا طويلة بين الكتب، وقد جمع كثير من المخطوطات. وقد تحدث القمص عبد المسيح المسعودي عن اهتمام البابا كيرلس بالمكتبة. وأن البابا كان يود أن يخصص موظفين للمكتبة لخدمة الجمهور. وقد طالب القمص عبد المسيح السعودي وهو يُعد قائمة بالكتب أن يرد الذين استعاروا كتبًا إلى المكتبة. وقد طالب بعدم إعارة المخطوطات بالمرة إلا بإذن من البابا نفسه مع دفع تأمين كبير. كما طالب بعمل معرض للمخطوطات النادرة القديمة...
شراء مطبعة
رأى أن يشتري مطبعة لنشر الفكر، وهي المطبعة الثانية في مصر بعد المطبعة الأميرية التي اشتراها محمد علي أيام ولايته. وأرسل مجموعة من الشباب للتدريب على الطباعة في المطبعة الأميرية بموافقة الخديوي، وطلب من وكيل البطريركية استقبال تلك المطبعة عام 1860م استقبالاً حافلاً، بالكهنة والشمامسة بالملابس الكهنوتية والألحان الكنسية إذ كان البابا في ذلك الوقت في الدير. وقد علّق البابا على هذه المطبعة وعلى استقبالها بقوله: "لست أُكرِّم آلة من الحديد ولكني أُكرِّم المعرفة التي ستنتشر بواسطتها". ومن أول الكتب التي طبعتها هذه المطبعة "القطمارس الدوار" و "خطب ومواعظ أولاد العسال" ثم بعد ذلك "جريدة الوطن".
ديوان لإدارة البطريركية
من ناحية تنظيم أمور الكنيسة فلأول مرة نسمع عن أمر إنشاء سجلات لحصر أوقاف الكنيسة والعمل على تنظيمها وضبطها والاهتمام بالكهنة وأُسرهم وإيرادات الكنائس وضبطها. فقد أنشأ ديوانًا لإدارة البطريركية، ووضع له قواعد دقيقة حتى لا يتصرف نظار الأوقاف بغير نظام. وقد قسّم الإدارة إلى قسمين، أحدهما يختص بالإشراف على الأوقاف ومحاسبة النظار وتقديم حسابات الإيرادات والمصروفات. والقسم الآخر يختص بالأعمال الدينية والشرعية يقوم بمباشرته أحد القسوس مع مطران مصر. وكان هو المشرف على كليهما.
وطنيته وزيارته لأثيوبيا
من الناحية الوطنية كان البابا كيرلس الرابع صديقًا لعلماء الأزهر وشيوخه والشيخ الأكبر، وكان يعقد معهم حلقات ومناظرات علمية وفقهية ولاهوتية في جو من الألفة والمحبة والسماحة.
ولا يفوتنا أن نذكر أنه في عصر حِبْريّة هذا البابا العظيم صرّح الخديوي سعيد للقبط بدخول الجيش وتطبيق الخدمة العسكرية عليهم أسوة بالمسلمين، وذلك اعتبارًا من أول يناير سنة 1856م بعد إلغاء الجزية المفروضة على الذميين في ديسمبر سنة 1855م.
كوطني أيضًا سافر إلى أثيوبيا في آخر مسرى سنة 1572ش (1856م) لحل مشكلة الحدود بين مصر والحبشة موفدًا من قبل سعيد باشا. صحبه اثنان من الأتراك من قبل الحكومة، فانتهز الفرصة وتعلم في رحلته الطويلة اللغة التركية.
كان البابا يخشى سطوة النجاشي ثؤدورس. لكن استقبله النجاشي بحفاوة، وكان لوجوده مع النجاشي في أثيوبيا أثره الكبير في إحلال الصداقة محل العداء.
غير أن بعض السياسيين الإنجليز كانوا يكيدون له انتقامًا إذ أدركوا سعيه في إخفاق نفوذهم في أثيوبيا أثناء زيارته الأولى، كما كانوا يخشون رغبته في اتحاد الكنائس الأرثوذكسية، واتهموه أنه يود أن تكون تحت حماية روسيا. كما قيل أنه أراد الاتحاد مع الكنيسة الأسقفية الإنجليزية. بالرغم من محاولة إنجلترا الإيقاع بين الخديوي والبابا وأيضًا بين النجاشي والبابا، ولكن باءت المحاولتين بالفشل بفضل الرعاية الإلهية وحكمة البابا.
بذل الإنجليز كل الجهد لتشكيك سعيد باشا في نيّة البابا وسألوه ألا يحل الخلاف مع أثيوبيا إلا بتوجيه الجيوش المصرية نحو الحدود بينه وبين أثيوبيا. توجه سعيد باشا إلى الخرطوم، وفي نفس الوقت حاول أصحاب الدسائس تأكيد أن نيّة البابا غير سليمة وأنه إنما جاء لكي يشغل النجاشي عن الحرب فيهب عليه سعيد باشا ويستولى على أثيوبيا. إذ تحركت الجيوش نحو الحدود اغتاظ النجاشي وفكر في قتل البابا لولا تدخل الملكة ورجال القصر وطالبوه بالتريّث والتحقق من الأمر.
أرسل البابا إلى الباشا يبلغه بأن رسالته كادت تنجح لولا تحرك جيوشه وطالبه برجوع الجيش. عندئذ أدرك النجاشي صدق نيّة البابا واعتذر له.
وقّع النجاشي على معاهدة وسلّمها للبابا الذي استأذنه بالعودة، فقدم له وللباشا هدايا كثيرة، وعاد البابا إلى القاهرة في يوم السبت 7 أمشير 1574ش بعد غيابه سنة ونصف تقريبًا، وجاء معه كاهن النجاشي الخاص ووزير أثيوبي حاملاً نص الاتفاق للتوقيع عليه رسميًا من عزيز مصر.
بسبب الاحتفالات التي يصعب وصفها ورفع الصليب في المواكب في الشوارع امتعض الوالي، ووجد الواشون فرحتهم للتنكيل بالبابا، وأثار الإنجليز الخديوي ضد رفع الصليب أمام حفل استقبال البابا عند عودته من أثيوبيا. ورفض الوالي مقابلة البابا بالرغم من تردده مرارًا.
اهتم أيضًا بتجديد الكنيسة المرقسية الكبرى، فبعد ثلاثة أشهر من عودته أمر بنقض المبنى القديم ووضع الحجر الأول في الأساس بحضور رجال الدولة، وكان يسرع في البناء حتى تنيّح وقام خلفه البابا ديمتريوس بإكمالها.